کد مطلب:280429 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:186

اضواء علی المنزلة العالیة
قامت الدعوة الإلهیة علی امتداد المسیرة البشریة، بمخاطبة الإنسان الذی یسلك طریقها. وإرشاده إلی ما فیه سعادته، وحذرت من التقادر الذی یتلبس بالدین، لأن مهمة النفاق فی دیار الذین آمنوا. لا تنفصل عن مهمة الشیطان الذی اعتمد فی برنامجه القعود علی الصراط المستقیم (قال فبما أغویتنی لأقعدن لهم صراطك المستقیم)، [1] وتیار الصد عن سبیل الله اعتمد علی المنافقین فی حفر الحفر العدیدة علی امتداد مسیرة الذین آمنوا، ومن خلال هذا الحفر رفعت الأعلام العدیدة.

التی تقوم برامجها بالتعتیم علی الفطرة، والقافلة الإسرائیلیة لم تسقط فی مستنقع عبادة العجول نتیجة لغزوها من الخارج، وإنما سقطت أولا من الداخل. علی أیدی الذین یجلسون تحت خیامها ویتلبسون بالدین.

والدعوة الإلهیة الخاتمة. بینت أن المنافقین ینقون الناس بالإیمان الكاذبة والحلفان الآثمة. لیصدقوا فیما یقولون. فیغتر بهم من لا یعرف جلیة أمرهم. ویقتدی بهم فیما یفعلون ویصدقهم فیما یقولون، فیحصل بهذا ضرر كبیر، وبینت الدعوة أن منهم أصحاب أشكال حسنة والسنة ذو فصاحة، وإذا سمعهم السامع یصغی إلی قولهم لبلاغتهم، ولهذا قال تعالی: (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنی یؤفكون). [2] وقال تعالی: (إن المنافقین فی الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصیرا). [3] .

ولقد وصفهم القرآن بأوصاف منها أنهم رجس، قال تعالی:

(إنهم رجس ومأواهم جهنم بما كانوا یكسبون) [4] فهم فی دائرة الخبث



[ صفحه 249]



والتنجس نتیجة لما تحتویه بواطنهم واعتقاداتهم، والذین فی قلوبهم مرض ویتلبسون بالدین الخاتم ورثوا قلوب وعقول الذین سبقوهم من بنی إسرائیل، فإذا كان الذین كفروا من بنی إسرائیل لا یقبلون إلا ما یوافق أهواءهم. فإن المنافقین إذا سمعوا آیة من كتاب الله زادتهم رجسا إلی رجسهم، قال تعالی: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من یقول أیكم زادته هذه إیمانا. فأما الذین آمنوا فزادتهم إیمانا وهم یستبشرون وأما الذین فی قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلی رجسهم وماتوا وهم كافرون). [5] قال المفسرون: زادتهم رجسا إلی رجسهم أی زادتهم شكا إلی شكهم وریبا إلی ریبهم. وهذا من جملة شقائهم. أن ما یهدی القلوب یكون سببا لضلالهم ودمارهم، كما أن سئ المزاج لو غذی بما غذی به لا یزیده إلا خبالا ونقصا.

ولأن تیار النفاق لا یزداد إلا رجسا، ولأنهم أصحاب السنة وإذا سمعهم السامع أصغی إلی قولهم لبلاغتهم، ولأن برنامج الصد عن سبیل الله إذا تلبس بالدین كان أشد خطرا علی الدعوة، فإن الدعوة الخاتمة قامت بعزل هذا التیار عن ساحتها. وأقامت حجتها بطائفة الحق. وتحت سقف الامتحان والابتلاء تسیر القافلة فمن شاء اتخذ إلی ربه سبیلا.

وطائفة الحق من خصائصها أن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا، وبهذه الصفة كانوا مع كتاب الله ولن ینفصلا حتی یردا علی حوض النبی (ص)، ومعنی أنهم مع كتاب الله أنهم أعلم الناس بكتاب الله، وهم أمان للأمة من الوقوع فی دائرة التأویل الخاطئ لكتاب الله.

وخاصة الآیات المتشابهة، وذلك لأن تیار الذین فی قلوبهم زیغ یتخذ من المتشابه حقلا له إبتغاء الفتنة، قال تعالی: (هو الذی أنزل علیك



[ صفحه 250]



الكتاب منه آیات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذین فی قلوبهم زیغ فیتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وابتناء تأویله. وما یعلم تأویله إلا الله والراسخون فی العلم یقولون آمنا به كل من عند ربنا وما یذكر إلا أولو الألباب) [6] قال المفسرون: (فأما الذین فی قلوبهم زیغ) أی ضلال وخروج عن الحق إلی الباطل فیتبعون ما تشابه منه أی إنما یأخذون منه بالمتشابه الذی یمكنهم أن یحرفوه إلی مقاصدهم الفاسدة.

وینزلوه علیها لاحتمال لفظه لما یصرفونه، فأما المحكم فلا نصیب لهم فیه. لأنه دافع لهم وحجة علیهم، ولهذا قال تعالی: (إبتغاء الفتنة) أی الاضلال لأتباعهم إیهاما لهم أنهم یحتجون علی بدعتهم القرآن. وهو حجة علیهم لا لهم، وقوله تعالی وابتغاء تأویله أی تحریفه علی ما یریدون.

لأن تیار الذین فی قلوبهم زیغ والذین فی قلوبهم مرض یتلبس بالدین ویجلس فی خیام القافلة، أقام الله الحجة بالكتاب وبالعترة التی لا یضرها من عاداها أو من خذلها أو من خالفها لأنها شعاع یهدی والله تعالی ینظر إلی عباده كیف یعملون، وتطهیر أهل البیت والشهادة لهم بالعلم والعمل، والتحذیر من مخالفتهم. وغیر ذلك. وردت فیه أحادیث صحیحة، سنقدمها ونقابلها بما فی منزلة هارون من موسی علیهما السلام.


[1] سورة الأعراف آية 16.

[2] سورة المنافقين آية 4.

[3] سورة النساء آية 145.

[4] سورة التوبة آية 95.

[5] سورة التوبة آية 125.

[6] سورة آل عمران آية 7.